أخا الصلوات الخمس؛ صباحُك كلُّ

أخا الصلوات الخمس؛ صباحُك كلُّ ما بهذه الوضاءة من إشراقٍ!

راقَكَ جمالُ هذه الصورة الفتان؟! توهَّمتَ دارك مفضيةً إلى نهرٍ جارٍ؟!

ألا إن سناءها وبهاءها ليسا إلى بدائع روائع ما ببشرى نبي الله لك -هنا- شيئًا!

عن أبي هريرة -رضي الله عنه وعن والدته- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا؛ هل يُبقي من درنه شيئًا؟” قالوا: لا يُبقي من درنه شيئًا. قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا”.

وعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أرأيت لو أن رجلًا كان له معتمَلٌ، بين منزله ومعتمَله خمسة أنهارٍ، فإذا انطلق إلى معتمَله عمل ما شاء الله، فأصابه الوسخ أو العرق، فكلما مر بنهرٍ اغتسل؛ ما كان ذلك منقيًّا من درنه؟ فكذلك الصلوات؛ كلما عمل خطيئةً أو ما شاء الله، ثم صلى صلاةً استغفر؛ غُفر له ما كان قبلها”.

وعن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تحترقون تحترقون؛ فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون؛ فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون؛ فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون؛ فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون؛ فإ ذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا”.

كم هممت أن أعلق بشيءٍ فقال قلبي: حسبي! لكن تجلجل في السماء ضراعتُه: اللهم الصلاة الصلاة.

لا إله إلا الله؛ كلنا

لا إله إلا الله؛ كلنا له وجميعنا إليه راجعون، محمودًا على كريم قدره ولطيف قضائه.

توفَّى الله مولانا خير الرحمن نفسَ أَمَتِهِ الصابرة المحتسبة أم عبد الله زوج حبيبنا الغالي عمر رفاعي، بعدما تصدَّق عليها بداءٍ عُضالٍ -في جُمَلِ من عطايا البلايا أخرى- زمانًا طويلًا.

ربنا قد صارت أَمَتُكَ إلى ذمتك وحبل جوارك؛ فقِها اللهم -وأنت أهل الوفاء والحق- فتنة القبر وعذابه، واغفر لها، وارحمها، وعافها، واعف عنها، وأكرم نزلها، ووسع مدخلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدلها دارًا خيرًا من دارها، وأهلًا خيرًا من أهلها، وأدخلها الجنة، وأعذها من النار، وعاملها بما أنت أهله لا بما هي أهله، وارفع درجتها في المهديين، واخلفها في عقبها في الغابرين، وأفسح لها في قبرها ونور لها فيه، واقسم لها من الحظوة والكرامة عندك أطيب وأوفى، واترك عليها في الآخرين، وأثبها بما أوليتها من مصائب أمانًا في قبرها تطمئن به حتى تلقاك، فتجزيها يومئذٍ بأوسع الإحسان، واربط على قلوب أهلها ليكونوا من المؤمنين، وارزقهم أنعم ما رزقت أولياءك في قضاءٍ، واجمعنا بها راضيًا عنا في جوارك الكريم.

كم من مريدٍ للخير لن

كم من مريدٍ للخير لن يصيبه! كم من مسيءٍ من حيث قصد الإحسان!

قرأت منشورًا لفاضلٍ -رضي الله صدقَ قصدِه- يبشر فيه أهل مصر بالنصر!

تبشير المؤمنين -على أي حالٍ لهم- بتخفيف البلاء شيءٌ، ووعدهم بالنصر شيءٌ آخر.

لو بشرهم حبيبنا برأفة الله التي تدفع الضر ورحمته التي تجلب النفع؛ لكان سَدادًا وإحسانًا.

أي نصرٍ؟! بأي سبيلٍ؟! بأي ميزانٍ؟! بأي قوةٍ؟! بأي أُناسٍ؟! لأية غايةٍ؟! على أي عدوٍّ؟!

يا ذاك المبشر قومه -على حين غفلةٍ من الدنيا- بالنصر؛ رويدك قلوبًا منهَكةً ونفوسًا مجهَدةً.

إننا في معركةٍ لا يتبصَّر فيها أهل الحق حقهم إلا قليلًا، ولا يعرفون عدوهم إلا يسيرًا.

إن عامة المجتمعين -اليوم- على إباء الطغيان؛ ليسوا في “الحدِّ الأدنى” من الواجب الحربي سواءً؛ الحد الأدنى من النظر الصحيح إلى الحق الصريح الذي لا يشفع في الدَّفع سواه، والحد الأدنى من العمل السديد على النهج الرشيد الذي لا يُقبل في النصر عداه، لكنا نتباشر باجتماعنا عليه.

قاتل الله دعوات التخذيل والإرجاف والاعتزال؛ لكن ما هكذا علمنا الله ورسوله وأولو النهى.

لا تدَعوا موطئًا يغيظ عدوكم إلا وطئتموه؛ في نظرٍ وعملٍ، مستعينين خير الفاتحين متوكلين عليه.

طريق المعركة طويلٌ، ليس أولُه انقلابَ العسكر على صورة الحكم، فإنهم كانوا كما لم يزالوا حقيقته، وإن ربنا لم يكلفنا بلوغ آخره، بل كلفنا معرفته وأن نبذل فيه أسبابنا، من مات في بعضه نجا.

قُتل بالأمس عشرةٌ من شباب المسلمين في قلب العاصمة، وقبلهم -على حدود ليبيا- أبرارُ آخرون.

ما أظن الآتي في مصر -لعن الله محتليها- إلا شرًّا مستطيرًا يهون به كلُّ هَوْلٍ قبله، لا أقوله إلا لتستعد للخطوب عقولٌ وقلوبٌ؛ فلا تذهلنا فُجاءات الحوادث، ولا تخبط بنا باغتات الكوارث.

ذلكم الواقع مبينًا؛ لا تفصح قراءته إلا عن هذا، لا بالتمني ولا بالتحلي؛ عافيتك اللهم هي أوسع لنا.

واقعٌ لا تقضي فيه سمادير الإخوان ومن يلفُّ لفَّهم، ولا خزعبلات السلفيين ومن يجدِّد عبثهم، ولا طرائف المتفلسفة والمكتباتية ومن يزهو بهم، ولا آمال الثوريين والجهاديين ومن يحتكر الحق لهم؛ بل هو واقعٌ شديد التركيب، طوبى لمن تبلَّغ إلى فقهه فأنذر قومه، ومن ضلَّل فأخزاه الله.

لا أساوي بين هؤلاء ولا أشتغل به؛ فاجمع عقلك على التفكر والاعتبار، لا تبدِّده كعادة الهوى فيه.

كأني بك تقول: عهدتك تثوِّر الناس وتبشِّرهم؛ فما بالك -الساعةَ- تعوِّقهم وتقنِّطهم؟ أقول: “لا إله إلا الله”؛ هي جواب ذي الجواب غيري، ومن لا جواب له مثلي، والحول والقوة بالعزيز الحكيم.

ليس في هذا إلا المكاشفة، ويبقى حسن ظننا بربنا رجاءَنا الرحيب، عبادةٌ قائمةٌ لوجهه الباقي.

عوذتك بالله -صديقي- من ويل المطففين؛ أن ينحِّيك حرفٌ أغضبك، فينبذ بصرَك عن حشد الكلام.

ذا المغفرة؛ الطف بأحوالنا لمعاشنا ومعادنا، وبارك على أسبابنا التي أوليتنا؛ أنت الكريم الكبير.

كنت اود أن أقص عليكم

كنت اود أن أقص عليكم رؤيا رآها لي أحد الشباب معي، وهو شاب عمره 19 عاما، في كلية طب، صغير السن، مولود في الخليج، متم للقرآن ومن أهل الأخلاق والعبادة، ولكنه صغير للغاية، يعني أنا أحدثه عن الثورات وماحدث فيها كما انوا يحدثوننا عن حرب أكتوبر مثلاً 🙂
المهم أخبرني أنه لا يرى رؤى على الإطلاق،و أن آخر واحدة رآها كانت لما كان في الخامس الابتدائي، ولقد رأى هذه الرؤيا في البوسنة منذ عدة أسابيع قليلة، حيث كان في زيارة لأحد أقربائه
— الرؤيا تقول: أنه رآني وأنا أشرح كتاب الشيخ الكبير، على سبورة وفي مكان مستقل – كأنه نصف فيلا مثلا – أو كأنه ” سنتر ” دروس خصوصية، وكان هو ” أحمد ” وأحد أصحابنا السودانين واسمه ” محمد ” ذاهبين لحضور تلك الدروس
وكان هذا السنتر، يقع على طريق في ” قطر ” يسمى طريق الشمال، عبر عنه صاحب الرؤيا لما سألته وماطريق الشمال ” قال الطريق الذي يشق قطر من الشمال إلى الجنوب تقريباً
— وقال لي أن وضعي كان مستقراً، وأن المجموعة كانت كبيرة، وليس اثنين او ثلاثة كما هي عادتنا، وقد كان في المجموعة التي معي في الدرس شخص سوداني صديق قديم له من أيام الابتدائية، سألته عن اسمه ، فقال: يُسمى ” عمر عادل مدني “

لا يواسي قلوبنا وعقولنا في

لا يواسي قلوبنا وعقولنا في “بورما” غير كلمات الله، كفى بهداياتها سُلوانًا.

تدبروا كل حرفٍ بكل ما بكم، افقهوا أسماء الله فيها وآثارها، آمنوا بما نُزِّلَ عليكم.

“وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ

وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ

وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ

وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ

فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ

فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ

وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ

فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ”.

لا إله إلا الله العزيز الحميد، لا إله إلا الله له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيءٍ شهيدٌ، لا إله إلا الله بطشُه شديدٌ، لا إله إلا الله يبدئ ويعيد، لا إله إلا الله الغفور الودود، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله فعالٌ لما يريد، لا إله إلا الله من وراء الكافرين محيطٌ؛ لا إله إلا الله.

“أصبحنا وأصبح الملك لله، وأمسينا

“أصبحنا وأصبح الملك لله، وأمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله”.

المُلك تحديدًا يجب أن يتجدد إفراد الله به لهجًا بالألسنة؛ مبتدأ كل ليلٍ، ومفتتح كل نهارٍ.

تتذكر النفوس في أغوارها، والقلوب في أطوائها، والعقول في خلالها؛ بأن هذا الملك كله لله، ولله وحده.

الملك الحكم، والملك السلطان، والملك السيادة، والملك الغلبة، والملك الهيمنة، والملك العرش، والملك النظام، والملك القانون.

الملك بكل تمثلاته وتجسداته لله، ولله وحده.

ولولا ما علم الله العليم الخبير من حاجة الإنسان أن تتجدد له الذكرى بذلك النوع من التوحيد خاصةً ما شرع له أن يصدع به -أمام نفسه- كل يومٍ مرتين؛ مرةً أول النهار، وأخرى أول الليل.

إن ما يخامر هذا التوحيد بالذات في النفس من غبشٍ، ويخالط القلب فيه من دخانٍ، ويزاحم العقل فيه من تشوشٍ -بتسلط أنماط الملك الدنيوية الظاهرة، ومزاحمة أنواعه وصوره المادية الباهرة- فيما يتراءى في الواقع حولها؛ إن ذلك كله ليتطلب مثل هذا الذكر المطمئن للنفس والقلب والعقل جميعًا بهذه الحقيقة المطلقة كل حينٍ.

أفيرتاب مؤمنٌ بالله يلهج بهذه العقيديات -نهاره وليله- بعد ذلك لحظةً في استقرار شيءٍ من هذا الملك لأحدٍ، أو صيرورته لآخر -في أي زمانٍ ومكانٍ، على أي وجهٍ من الوجوه- بغير تقديرٍ وتدبيرٍ ممن له المُلك جميعا؟!

لذلك نقول في إثرها: “والحمد لله”.

الحمد لله على تفرده بذلك، والحمد لله على فعله في ذلك، والحمد لله على ما ألقى من الطمأنينة لذلك.

“أصبحنا وأصبح الملك لله، وأمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله”.

مفاهيم فلسفية 1 : من

مفاهيم فلسفية 1 :
من الأمور الأساسية في التعامل الفلسفي، أن يتم التعامل بشكل منهجي، بحيث تترابط الموضوعة الفلسفية بشكل ينتظم أولها مع آخرها، وهذا لا يتم بسهولة بل ينبغي مراعاة عدة أمور وهي :
1. الاستيعاب الفلسفي : إذ التعامل مع الفلسفة بشكل تجميعي وخلط المدارس الفلسفية بعضها البعض دون معرفة خطوط الالتقاء بين هذه المدارس وخطوط الاختلاف دليل على عدم الاستيعاب والفهم الفلسفي لضوابط وأصول كل فلسفة.
2. الطرح العلمي للفلسفة : ويكون صاحب هذا الطرح عارف بالمضامين الأصيلة التي يرجع فيها لكل موضوعة فلسفية ويلتزم بمضمون هذا الطرح بشكل يجعله لا يخالف السياق التي طرحت فيه هذه المواضيع.
ومما نقدت به الفلسفات المثالية بشكل عام هو وقوعها في خلط في التعامل مع الأطروحات الفلسفية المختلفة، لذلك لم يسلم الماديون بمن التزم بالمقدمتين الفلسفيتين وجمع بينهما؛ والجامع بين المقدمتين الفلسفيتين جمعه ليس استيعابا ولا يصح أن يطلق عليه بذلك، بل من اتجه هذا الاتجاه كان يحاول أن يجيب على المعضلة التي تواجه فهمه للمادية بالموضوعة المثالية، ويحاول أن يجيب على المعضلات التي تواجه مثاليته بالموضوعة المادية وهذا يدل على عدم فهمه واستيعابه للاختلافات المتعارضة أبدا بين المثالية والمادية.
ولذا اصطلح على فلسفة أفلاطون وهيجل في أنهما فلسفتان موضوعيتان لأنهما التزما فيها بأصولهما المعرفية.
وما يحدد شكل الموضوعة الفلسفية أن هذه مثالية وهذه مادية يحكمه الجواب على نظرتهم للعالم، وعلاقة الفكر والوعي بالوجود والروح بالطبيعة – فمن يجعل الأسبقية للوجود الموضوعي (الوجود الخارجي المستقل عن وعي الإنسان، الوجود الذي يدرك ويتعرف عليه الإنسان عن طريق إحساساته ويفهمه على هذا الأساس) فيصطلح على أصحاب هذا الجواب بالماديين، ومن يجعل أسبقية الوجود للروح أو للوعي أو لعالم الأفكار فيصطلح عليهم بالمثاليين.
ثم تباعا لهذا، فمن يتعامل مع الظواهر بناء على الوعي الذي اكتسبه من خلال تعامله الحسي بهذه الظواهر وعالجها ودرسها من حيث وجودها موضوعيا يطلق عليهم ماديون، أما المثاليين فينطلقون من عالم الأفكار والروح لتفسير هذا العالم، فيسبقون الوجود الموضوعي بوصف يجتلب من خيالاتهم.
وعند الماديين يوجد المادي بوصفه الموجود موضوعيا خارج وعينا المستقل ويوجد الروحي الذي لا يوجد إلا في أذهاننا، لكنهم يعتبرون بالوجود الروحي كأمر تابع للوجود المادي، كأمر مكتسب من الوجود المادي؛ وتتم دراسته وبحثه وتجريده انطلاقا من فهم الوجود المادي للعالم، لا الانطلاق من المجردات الذهنية التي لا يمكن التحقق من معرفتها في هذا العالم.
أي يجب في المادية أن تكون معرفتنا سواء لواقعنا أو أي موضوع يتم جرده يتماثل مع الواقع الذي نعرفه وانعكاسا لقوانينه.
وبذلك يتصور الماديون الفلسفة وتعريفها أنها ينبغي أن تكون مستندة ومطبقة لأشمل قوانين العلم الصريحة في الصحة والتي تخلو من الاعتراض على التطور والطبيعة والمجتمع والتفكير.
كما يعتبر الماديون بأنه لا ينبغي عند تفسير أية ظاهرة تأتي في العالم من أنها لا تفسر، ويعتبرون بإمكانية وقدرة الإنسان على اكتشاف جميع القوانين التي يتحرك الواقع المستقل عن طريقها مهما طال الزمن، وأن جميع الإحساسات المخلوقة في الإنسان كافية لمعرفة العالم الذي يعيش فيه، ولو وجدت حاسة جديدة لن يكتشف شيئا جديدا مختلفا عن كل شيء سيعرفه بالحواس الموجودة فيه.
كما قام الماديون بنقد التفسير المنطلق من المجرد الفكري للواقع، وطالبوا أن يكون التفسير من المواقع بالشكل الذي يستوعب ظروفه بعيدا عن المجرد الذهني أو الانتقائية الثنائية، ولذلك نجد ماركس وأنجلز انتقدا بشكل لاذع ليس فقط فلسفة هيجل والتي يعمل ماركس عكسها تماما، بل انتقد اليسار الهيجلي الذين أرجعوا سبب اضطهاد العمال إلى طريقة تفكيرهم وزعموا أن إبطال هذا الاضطهاد يكون عن طريقة تغيير تفكير العمال!
أي يتعاملون مع ظاهرة اضطهاد العمال كما يتعامل بعض دعاة التنمية البشرية الذين يرفعون شعار “التفكير خارج الصندوق” بينما يبقى الصندوق هو هو لم يتغير مهما تغير فكر من كان داخله!
واعتبر ماركس وأنجلز أن هذا اضطهاد حقيقي واقعي ليس عبارة عن أوهام أو خيال وإنما هو نتاج علاقات حقيقية وواقعية ويجب أن تزال بصورة عملية من هذا الواقع وليس فقط عن طريق تغيير تفكير العامل!
وأن تفكير الناس تاريخيا هو نتاج كثير من الظروف المختلفة الواقعية وليست فقط مجرد أفكار في أذهان الناس تنتقل بين أذهانهم ولو تغيرت هذه الأفكار ستتغير ظروفهم!
فتهيئة بيئة جيدة تعتبر من القضايا المهمة والأساسية للتهيئة لفكر ينسجم معها، كذلك دراسة هذا الواقع وفهم جميع ظروفهم عامل مهم في التعامل مع تغييره إلى شكل ينسجم مع الحق البشري ككل.
فنلحظ مما ذكر أعلاه أنه لا يتوقف معرفة الفلسفة على مجرد معرفة الجوابين الأساسيين حول الوجود والوعي وعلاقتهما بالواقع، بل أيضا تستلزم تطبيقات على الصعيد العملي والاعتقادي في حركة الحياة البشرية.
مستقبلا سأتطرق لمفاهيم فلسفية جديدة، وبالله التوفيق ..
——————–
مفاهيم فلسفية 2 :
الكثير منا يرغب في القراءة والاطلاع على الفلسفة، لكن لا يدري من أين يبدأ، ولا يدري ما تعني، وما الذي سيستفيده من قراءته في الفلسفة، ولا يدري ما فائدة الفلسفة في حياته.
هذه الأمور تشغل بال القارئ، ورغبت في تخصيص هذا المنشور ليكون بداية لمن يرغب في قراءة الفلسفة.
لماذا جعلت هذا منشورا تابعا للمنشور الذي ذكرت فيه الجانبين الأساسيين للفلسفة؟
كان سبب تقديمي لمنشور المسألتين بمثابة توضيح للقضيتين التي ليست مهمة وحسب من حيث تأثيرهما الفلسفي، بل هما أيضا ما ينبغي على أي راغب في فهم الفلسفة أن ينطلق منهما حتى في تعريف الفلسفة!
فأحببت توضيح المقدمة الأساسية التي ينبغي لراغب الاطلاع على الفلسفة أن يستوعبها، من بعد ذلك أشرع في معالجة توضيح رغبات وأسباب القراءة للفلسفة.
– هل بمقدور أي إنسان أن يتعلم الفلسفة؟
بالطبع، طالما لديه القدرة على القراءة؛ لكن هناك إشكالية (طالما أتبنى وجهة النظر المادية) هذه الإشكالية تكمن في التعليم المدرسي والأكاديمي، الانطلاق من التعريفات وحفظها وحفظ مطلقيها، بينما وجهة نظري حول الأمر، الإنسان ليس بحاجة إلى هذا الشكل لمعرفة الفلسفة وليست هي المكان الخصب لتعلمها!
مما قاله ماركس “الفلاسفة أشبعوا العالم تفسيرا، والمهم هو تغييره”، إن الإنسان يتعلم من خلال الظروف المختلفة التي يمر بها أكثر مما يتعلمه في المدارس، وهذه الفلسفات التي حاول الفلاسفة فيها تفسير العالم مرتبطة بشتى الظروف التي يمر بها الإنسان في حياته ولن يستطيع فهمها واستيعابها خارج هذه الظروف.
لكن، ما هي الفلسفة؟
أطلق اليونانيون عليها (الحكمة) و(حب الحكمة) أو (عشق الحقيقة) ومهما كان ذلك فالفلسفة ليست مجرد الحكمة أو حبها أو عشق الحقيقة، وليست كما ذكر في الويكيبيديا ضمن التعريف بأن الفلسفة لا تعرف، وقد سبق ذكر جملة في المفاهيم رقم (1) بأنه لا ينبغي الانطلاق من تفسير شيء بأنه لا يفسر.
فالفلسفة علم العلوم، أو هي علم قوانين الطبيعة ككل، أو هي العلم الذي يشمل جميع العلوم ويدرسها ويضبطها وفق القوانين والأصول الطبيعية الشاملة، وسأتطرق لتوضيح هذه القوانين في وقت لاحق.
أما ما الفائدة التي يتحصل عليها قارئ الفلسفة؟
هذا يرجع إلى فهمه لأي موضوعة فلسفية ونوعية فهمه لها، فانطلاقه من حيث الواقع وظروفه يسهم ذلك بشكل كبير في طبيعة معالجة وحله لهذه المشكلة في إطار الواقع الحقيقي، ولا أخفي ماديتي هنا، إذ أن السلوك المثالي في التعامل مع أي قضية يتعامل فقط في مجرد الذهن أو حرب خيالات كما يصفها هيرستن في موجز تاريخ الفلاسفة لمجموعة من السوفيت.
كما أنه ينبغي للراغب في الاطلاع على هذه الفلسفة، أن يكون محددا لرغبته من اطلاعه وليس يكون لمجرد الكشف عن خباياها، بل عليه أن يحدد كيف يمكن الاستفادة مما يفهمه في مشواره هذا على صعيد حياته وثقافته، بل وممارسة هذه الفلسفة على الصعيد العملي وفهم ممارستها أيضا.
وما سأذكره هنا قد يختلف فيه معي بعض الإخوة، ولكن هو موجه للقارئ الذي ليس بمتخصص في دراسة الفلسفة ويرغب في الاطلاع عليها.
فعلى الرغم من الفارق بين علم الكلام والفلسفة والذي سأخصص حوله منشورا، إلا أن هناك فلسفات أيضا شبيهة بعلم الكلام من حيث لا ينتفع بها المطلع عليها ويستغني بما فيها من علم، وأنصح القارئ الذي يريد الاستفادة من الفلسفة دون أن يتخصص فيها ويعرف بطونها أن يختار الطرح الفلسفي الذي يتعامل مع العلم والتاريخ والمجتمع والأخلاق ويدرس قوانينها، (خاصة الكتب الفلسفية المادية التي تعنى بشكل كبير في دراستها وبحثها فلسفيا) ويتجنب الأطروحات اللاهوتية التي لا تغنيه في حياته، فعلوم الاعتقاد لا أنصح بدراستها انطلاقا من الكتب الفلسفية، لكن قد يستفاد من الفلسفة ومفاهيمها في جوانب شرعية أخرى كالفروع، والشريعة تكون هنا مع الفلسفة ضابطة لا أن تجر إلى الوسط الفلسفي.
وقد ذكر الشاطبي في مقدمات الموافقات جملة أعجبتني وهي (أنه لا يجب من العلم إلا ما يتوقف عليه عمل) وهناك من الفلسفة أمور يستقيم بها العمل ويفهم!
فعلى سبيل المثال لا الحصر :
نص جدا مهم :
– في تشرين الأول سنة ١٩٥٢ في مؤتمر آسيا والباسفيك من أجل السلام، عالم، هو جون هنتون، وكان قد شارك في لوس ألموس في “صنع القنبلة الذرية الأولى” قال :
“لمست بيدي أول قنبلة ذرية ألقيت على ناجازاكي، وأني لأشعر بالجرم الذي ارتكبته، كما أشعر بالخزي لأنني قمت بدور مهم في إعداد هذا الجرم ضد الإنسانية، ولكن كيف حدث أني رضيت القيام بهذه المهمة؟
ذلك لأنني كنت أؤمن بفلسفة ((العلم من أجل العلم)) الخاطئة، هذه الفلسفة هي السم الذي يقضي على العلم الحديث، ولقد كان من نتيجة الخطأ الذي يقوم على ((فصل العلم عن الحياة الاجتماعية والبشرية)) أني انتهيت إلى العمل في صنع القنبلة الذرية خلال الحرب، إذ كنا نعتقد أننا ((كعلماء يجب علينا أن نكرس جهودنا من أجل العلم الصرف، وأن على المهندسين ورجال السياسة إتمام بالباقي))، وأني لأخجل من القول بأنني انتظرت فضائع حرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية لكي أخرج من برجي العاجي وأدرك أنه ليس من “علم صرف” وأن لا معنى للعلم إلا بقدر خدمته لمصالح الإنسانية جمعاء، وأني لأتوجه اليوم إلى العلماء الذين يعملون الآن في الولايات المتحدة وفي اليابان في صنع الأسلحة الذرية والميكروبية قائلا “فكروا فيما تفعلون”.
– #كتاب : أصول الفلسفة الماركسية.
– بوليتزر وآخرون، ص ٣٦، ٣٧.
بالإضافة يعرض جورج لوكاش في كتابه (الأدب والفلسفة والوعي الطبقي) نقدا للفن والاستفادة من الفلسفة العلمية الأخلاقية في ضبط الفن.
فنجد الفلسفة هنا مفيدة في دراسة وعرض أمور تفيد البشرية، ولذلك يصطلح ماركس وأنجلز ولينين على مشاريعهم الفلسفية بأنها فلسفة ((للبروليتاريا)) أي فلسفة خصوصها للعمال في العالم وعلاج مشاكلهم مع الرأسمالية والإمبريالية.
فلما نعلم أن الشريعة لم تشمل كل العلوم، لكنها تشمل الأخلاق والضوابط، فالفلسفة العلمية الصحيحة الواعية تساعد وتساند الشريعة في هذا الجانب، كما ليس كل العالم يؤمن بالشريعة، فتساعد الفلسفة العلمية على علاج الكثير من الإشكالات والاختلافات مع غير المسلمين، إنها بمثابة الأرضية المشتركة التي نستفيد منها جميعا.
بالإضافة نجد بعض راغبي الاطلاع على الفلسفة يتخوفون من التأثير العقدي من خلال قراءة الفلسفة، هذا بشكل مجمل يعود تأثيره لطبيعة الظروف التاريخية في الإسلام وجر علوم الكلام إلى قضايا اللاهوت، وبالطبع توجد هناك فلسفة لاهوتية ولكن جميعها لا يكفي في معرفة اعتقادك، وأمور الاعتقاد لا تستقى من الفلسفة، ولكن هناك أطروحات كثيرة في الفلسفة مهمة لنا في حياتنا؛ فهناك أطروحات نقدية للسياسة يمكن الاستفادة منها على سبيل المثال (مختارات ماركس وأنجلز والآيديولوجية الألمانية والبيان الشيوعي؛ ومختارات لينين) وهناك نقد للفلسفات ككتاب (المادية والمذهب النقدي التجريبي للينين والنظرية المادية في المعرفة لجارودي) وهناك نقد للفن والأدب كما سبق ذكره وهناك نقد للاقتصاد ككتاب رأس المال وغيرها من الكتب التي يستفاد منها في حياتنا.
كذلك أنبه حول التلخيصات الفلسفية، جميع التلخيصات الفلسفية وأصحاب المشيخة والطرح الأستاذي الفلسفي لا تؤدي بحال إلى تعريفك بالفلسفة، بل قد تشوه الكثير من هذه الأطروحات (الطرح الفلسفي أصلا) وليس فقط تفكيرك وفلسفتك، فتقصي الإنسان عن المعرفة من مصادرها ومضامينها أمر مهم وتغنيه عن مفتي الفلسفة.
بل وأنصحك ككقارئ أن تسأل عن المصادر حول كل معلومة فكثير مما يدبغ بجلود الفلسفة ليس منها، ولا تظن أنك ستحصل على العلم الفلسفي لمجرد طرحك للأسئلة على المفتين، ولكن اسأل فقط في الجزئيات التي لم تجد إجابة عليها في الكتب الفلسفية التي قرأتها.
لعلي ذكرت مجمل الإشكالات التي تواجه القارئ على استعجال، ولنا لقاء إن شاء الله حول موضوع آخر ومفاهيم أخرى.
———————–
مفاهيم فلسفية 3 :
هل يستطيع أن يفكر الإنسان تفكيرا فلسفيا؟
تهتم الفلسفة بالأسئلة الكبرى، بأسئلة الوجود ومشاكله في المجمل، والملاحظ في حياة الناس، يجد أن معظم الناس وظروفهم لا تسمح لهم في الانهماك الفلسفي، الأفكار التي ترتبط بالبشرية ككل.
لكن بما أن للإنسان عقل يفكر به، فهو بلا شك يمر بمراحل جزئية وصغيرة من المراحل الفلسفية، وليس بهذا الشكل أنه يصبح فيلسوفا لمجرد أن لديه عقلا مفكرا كما يزعم غرامشي مثلا، ولكن يمر بمراحل الفلسفة الأولى، بالأسئلة الصغيرة التي تجيب على احتياجاته في حياته العملية والفكرية.
فالفلسفة لم تعد مقتصرة على تجاهل هذه الأسئلة الصغيرة بعد الماركسية، والتي تلعب دورا كبيرا في الحياة البشرية.
لكن ما الذي يجعل مثل هذه الأمور الجزئية ليست فلسفة ولا تشكل فلسفة؟
ذلك لأنها بحثت جواب السؤال أو جواب المشكلة بعيدا عن الأسئلة والأجوبة الكبرى في الفلسفة، وكان التعامل معها بشكل حتمي أشبه بالتفريعات الأرسطية التي مع كثرتها أغفلت بحث هذا الجواب في إطار عام وشامل للمباحث الفلسفية الأساسية لها.
فلما يتعرض الإنسان لمشكلة، في الغالب يكون جواب أو حل هذه المشكلة بطابع أناني، أي طابع لا يتعامل فيه مثلا بشكل هل الحل الذي سيحصل عليه سيؤثر على غيره أم لا؟ هل يؤثر في بيئته ومحيطه أم لا؟ هل الحل الذي سيحصل عليه يتناغم مع قضية الوجود البشري ككل؟
لذلك يصطلح على بعض الفلسفات كفلسفة أفلاطون بأنها فلسفة متسقة أو منسجمة، لأن جميع ما يمكن وصفه بتفريعات على أصل فلسفته لم تغفل أو تتغافل عن السؤال والجواب الأساسي الذي انطلق منه في بحث الحقيقة.
فالسؤال الفلسفي الأكبر الذي تنطلق منه سواء بحثته في المقدمة أو لم تبحثه يظل بحث جوابه قائما إلى نهاية بحثك الفلسفي، فهي لا تتعامل مع الجواب أو السؤال بشكل حتمي، وتطرح قابلية لدراستها وبحثها في المستقبل، إذ الحياة البشرية لا تتوقف بل هي في حركة دائمة ومتطورة وعلى هذا يجب على الفلسفة ألا تتعامل مع البحث والجواب والسؤال في إطار ينغلق فيه البحث عند شكل معين من أشكال البحث، بل يترك هذا إلى بحثها مع تطور المفاهيم والعلوم البشرية، ولذلك كلما تطور العلم، كلما تطورت الفلسفة، ولن تتطور الفلسفة ما لم يتطور العلم، فالعلم هو الذي يحكم على إغلاق هذا السؤال الفلسفي عندما يصل إلى درجة اليقين من أنه لن يكون هناك جوابا لهذا السؤال أو ذاك أكثر مما تم صياغته، كما حصل مع السؤال الأساسي للفلسفة المثالية، وبعد إدخال هيجل للديالكتيك عليه، وسيأتي الحديث عن الديالكتيك في موضوع آخر، ولذا قال الفلاسفة الماديون بعد هيجل، لا يمكن أن تذهب الفلسفة المثالية أبعد من هيجل، ولذلك فالديالكتيك أو الجدل وهو عبارة عن قوانين الفلسفة وآخر ما توصل له الإنسان في بحثه الفلسفي لا يمكن للإنسان أن يتجاوز هذه القوانين ويأتي بفلسفة جديدة أو فلسفة ثالثة غير المثالية والمادية، وتطور المثالية توقف بشكل دائم عند هيجل، وفلسفة هيجل مثالية أي ممن يجعل الأسبقية في الوجود للفكر، بعد هذا التطور الذي أدخله هيجل، لا يمكن للفكر المثالي أن يذهب أبعد من ذلك.
وكل ما يتم إثارته اليوم في الفلسفة سنجده وبشكل لازم يندرج تحت ما تم الوصول إليه أساسا في البحث الفلسفي المثالي.
الذي يختلف في المادية حتى مع وجود الديالكتيك حتى بعد صياغتها من قبل ماركس وأنجلز وتطوير لينين للنظرية الماركسية، وبالطبع فالمفاهيم الأساسية فيها ثابتة لن تتغير، أن لديها القابلية للتطور ضمن هذا الديالكتيك، كلما تطور العلم، وتظل في تطور منسجم مع ما تم بحثه حول القضايا الكبرى الأساسية في المادية في مجال الوجود والوعي وأن هذا الوجود سابق لعملية الوعي وأن اكتساب الوعي لاحق للوجود.
فالانسجام والبحث الفلسفي يكون فيه البحث متسقا في نتائجه التي يتوصل لها أو سيتوصل إليها مع الأسئلة الوجودية الكبرى التي تم بحثها.
وطالما لا يوجد انسجام أو اتساق فلا تسمى فلسفة، أو لا يصح إطلاق فلسفة موضوعية أو منسجمة عليها.
وهذا مرهون به أي تفكير فلسفي، طالما التفكير الفلسفي ملتزم بما تم بحثه في الإطار القلسفي الشامل، فهو تفكير فلسفي، أما بقية التفكير وإن كان في مراحل بسيطة منه شبيه بما يمكن بحثه فلسفيا وإلا فليس هو تفكير فلسفي.
————————–
مفاهيم فلسفية 4 :
التعامل الجامد مع مفهوم المادة يعد مشكلة أساسية في فهم التصور الديالكتيكي لطبيعتها.
فعندما أجاب الديالكتيكيون عن مفهوم المادة في أنها الوجود الموضوعي المستقل عن وعينا والممكن إحساسه، وكيف هي المادة؟ فأجابوا أن هذا يعود للعلم وما يقرره من البداية إلى النهاية بحيث لا يسلمون بشكل ساذج بصورة أولية لمادة ما بل يتركون المجال للعلم ولتطور وعي الإنسان ليدرس هذه المادة حتى شكلها النهائي فلا يتوقفون مثلا عند أن الشمس قرص أصفر، بل تعتبر هذه معطيات أولية في طبيعة معرفتنا تكون بمثابة مقدمة لمعرفة جديدة عن طبيعة وحقيقة هذا النجم وهكذا، كان هذا التعريف تفريقا بين المفهوم الشامل للمادة وبين ماهيتها، وهو الذي شكل نقطة اختلاف بين الجدليين وبين الماديين الميكانيكيين وعقيدتهم الجامدة التي مع اعترافها بوجود المادة واعترافهم بالإحساس بها، إلا أنهم لم يتجاوزوا الإشكال الذي تقع فيه المادية الساذجة التي غفلت عن استيعاب حركة المادة والمعرفة على حد سواء، فتعاطوا مع المعروف الأول عن طريق الحس بما يعني أنه المعروف النهائي عنه، الشمس قرص أصفر، وتوقفت عند هذا التوصيف وتجاهلت حركة العلم والمعرفة التي تؤثر أيضا على طبيعة وعي الإنسان.
فجوهر الأشياء المادية وكنهها نسبيان بالقدر الذي تكون عليه طبيعة المعرفة عند الإنسان، وكما هما كذلك، فطريقة المعرفة ووعي الإنسان بهذه المادة ينبغي أن تكون مستوعبة لنسبية كنه وجوهر المادي.
فهي تتعامل مع جوهرها كموجود وتتعامل مع حركتها كموجود وتتعامل مع تغييرها كأمر موجود وتتعامل مع جوهر ما يحصل وجوده بعد ذلك كنتيجة موجودة ومادة موجودة وإن كانت تختلف عن المادة الأولى التي كانت عليها وهي تتعامل مع الحالات الفيزيائية للمادة كموجود مادي ينتقل من حالة إلى أخرى ولا تجمد على الصورة المعطاة الأولى بوصفها أمر نهائي عند وجوده مادي وعند فنائه عدم، بل هي في حالة حركة وانتقال وهذه الحالة هي صورتها المادية المتغيرة على الدوام بوصفها قضية معرفية نسبية.
———————
مفاهيم فلسفية 5 :
من الإشكالات التي تواجه المادية، ربط مفهوم المادة بحالات المادة الفيزيائية فقط، وتجاهل حركتها وانتقالها وخصائصها عن كونها أمور مادية أيضا!
فمما تم الاعتراض به على المادية كانت هذه الخصائص الفيزيائية بوصف النور ليس ماديا والطاقة وهكذا !
هل النور موجود بشكل مستقل عن وعي الإنسان؟ نعم .. هل الطاقة وأشكالها موجودة بشكل مستقل عن وعي الإنسان؟ نعم..
إذن فهما ماديان بالوصف الفلسفي للمادة على اعتبار أن المادة هي الواقع الموضوعي المستقل عن وعي الإنسان والممكن أن تتعاطى معه أحاسيسه.
إن انتقال مادة فيزيائية من شكل فيزيائي إلى آخر وطبيعة وشكل هذا الانتقال وخصائصه، هي أشكال مادية، هو واقع مادي موضوعي!
وأن جميع النظريات العلمية التي ثبتت صحتها حول جميع ما يتعلق بالمادة الفيزيائية وانتقالها من شكل إلى آخر، هي معارف استنتجها الإنسان من خلال دراسته لهذا الواقع وبحثه له ولطبيعة وحركة المادة فيه، وهذه النظريات جميعها ما هي إلا معلومات اكتسبها الإنسان عن طريق إحساساته التي درست هذه الخصائص لهذه الأشياء الموجودة في الواقع الحقيقي.

حبيبٌ لروحي في الأسر؛ فارغٌ

حبيبٌ لروحي في الأسر؛ فارغٌ فؤادي من فراقه، لا أدري أين هو، ولا ما يفعل الطغاة به.

لكني أعلم أن الله بمكانه أعلم، وبحاله -باطنًا وظاهرًا- أخبر، وأنه بعينه حين لا تحوطه عيني، وفي قبضته حين لا تمسه يدي، وأنه كلما نمت -بالضعف والعجز- عنه كان حيًّا هو بقيوميته فيه، لا تأخذه عنه سنةٌ ولا نومٌ، وأنه بالغٌ من نفس أخي وحسه أمرَه ما لا يبلغ أحدٌ، وأنه على تثبيت جَنانه وتسديد لسانه وحفظ أركانه قادرٌ مقتدرٌ قديرٌ؛ ذلكم الله ربي يا كل الناس، له أسلم وعليه أتوكل وإليه أنيب.

رباه الذي ليس لنا سواه؛ آمن روعات أسرانا روعةً روعةً، واستر عوراتهم عورةً عورةً، واشرح بإيناسك صدورهم، وطمئن بذكرك قلوبهم، واشغلهم بأفراح السماء عن أتراح الأرض؛ حتى تكتب لهم -بعزة منعتك وقوتك وغلبتك- عافيةً ليس كمثلها عافيةً، وسلامةً تضاف إلى رحمتك التي لم تزل مدهشةً؛ فنسبح بحمدك ونقدس لك، ونهتف -فرحين ضعفاءَ مساكين سعداءَ-: ربنا الله أنت أنت؛ رددتهم إلى أمهاتهم فأقررت أعينهن، وجمعتنا بهم فأبهجت مُهجنا، إنك -وجلالك وجمالك- لكبيرٌ كريمٌ.

يا عباد الله وحده لا

يا عباد الله وحده لا شريك له؛ لا تدعوا من هذا الكلام حرفًا إلا تدبرته قلوبكم.

قولٌ نفيسٌ مهيبٌ أخَّاذٌ بمجامع القلوب والعقول؛ للإمام أبي الوفاء بن عقيلٍ رحمه الله.

نقله عنه حبيبنا الأسير أبو فهرٍ المسلم؛ أحسن الله إليه بالنجاة من السجن، والأحرارِ أجمعين.

“لقد عظم الله ابن آدم؛ حيث أباحه الشرك عند الإكراه!

فمن قدَّم حُرمة نفسك على حُرمته؛ حتى أباحك أن تتوقى عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له سبحانه؛ لحقيقٌ أن تعظم شعائره، وتوقر أوامره وزواجره.

وعصم عرضك بإيجاب الحد بقذفك، وعصم مالك بقطع يد مسلمٍ في سرقته، وأسقط شطر الصلاة في السفر لأجل مشقتك، وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل إشفاقًا عليك من مشقة الخلع واللبس، وأباحك الميتة سدًّا لرمقك وحفظًا لصحتك، وزجرك عن مضارِّك بحدٍّ عاجلٍ ووعيدٍ آجلٍ، وخرق العوائد لأجلك، وأنزل الكتب إليك.

أيحسن لك مع هذا الإكرام أن يراك على ما نهاك عنه منهمكًا؟ ولما أمرك تاركًا؟ وعلى ما زجرك مرتكبًا؟ وعن داعيه معرضًا؟ ولداعي عدوه فيك مطيعًا؟

يعظ وهو هو! وتهمل أمره وأنت أنت!

حطَّ رتبة عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدةٍ يسجدها لأبيك.

فإن لم تعترف اعتراف العبد للمَوالي؛ فلا أقلَّ من أن تقتضي نفسك للخالق -سبحانه- اقتضاء المُكافئ المُساوي.

ما أفحش تلاعب الشيطان بالإنسان!

بيْنا هو بحضرة الحقِّ، وملائكة السماء سجودٌ له؛ تترامى به الأحوال والجهالات؛ إلى أن يوجد ساجدًا لصورةٍ في حجرٍ، أو لشجرةٍ من الشجر، أو لشمسٍ أو لقمرٍ، أو لصورة ثورٍ خارٍ، أو لطائرٍ صَفَرٍ.

ما أوحش زوال النعم! وتغير الأحوال! والحَوْر بعد الكَوْر!

لا يليق بهذا الحييِّ الكريم الفاضل على جميع الحيوانات؛ أن يُرى إلا عابدًا لله في دار التكليف، أو مجاورًا لله في دار الجزاء والتشريف، وما بين ذلك فهو واضعٌ نفسه في غير موضعها”.

تعلموا الاقتصاد في الذنوب. –

تعلموا الاقتصاد في الذنوب.

– الاقتصاد قبل الذنب؛ ما استطعت أن تؤجِّله؛ فأجِّله.

لعلك -صانك الرحمن وزانك- إن أجَّلته؛ عُصمت منه فلم تقترفه.

واذكر طاعاتٍ كثيرةً أجَّلتها؛ أفلا تؤجَّل معصية الله؟!

– الاقتصاد خلال الذنب؛ لا تسرف فيه؛ لا تستوف لذتك كلها به.

إن كان ذنبك يُقضى بوسيلةٍ واحدةٍ؛ فلا تعدُها إلى غيرها؛ أسلمُ لقلبك حالًا ومآلًا.

إن كان ذنبك يُقضى بك وحدك؛ فلا تورِّط معك فيه غيرك؛ ذلك أخف لك عند ربك لو ذهبت عنك سَكْرتك، وهَبْ أن الوهاب وهبك منه توبةً؛ من أين لك توبة من انتهك بك حرمةً من حرماته؟!

إذا جاءتك رسالةٌ من الله خلاله فأحسن استقبالها؛ فإنك إن أحسنت استقبالها تابعك الله بأخواتها عند غيره من الذنوب، وإنه -من قبلُ- أدبٌ مع الله عظيمٌ، ثوابه حياؤه منك يوم تلقاه جزاءً وفاقًا.

تذكر أن المعصية ليست مقصودةً في نفسها؛ بل هي غلبة الشهوة أو غيرها من بواعث المعاصي، فإذا صرفك الله عنها بصارفٍ من الصوارف -رأفةً بك ورحمةً- فانصرف؛ فإن انصرافك عن الذنب بعد اشتهائك له مقامٌ يعجب الله، ثم إن جزاءه نعيمٌ في الجنة يقال له “الإيواء”؛ قال الله -علا وتعالى-: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”، ما أجلَّ وصف الجنة هنا بالمأوى! إن مشتهى الإنسان من آثامه راحة نفسه أو حسِّه أو كليهما يأوي إليها، هذه الراحة لا تكاد تصفو لطالبها من هذه السبيل مهما جدَّ في تحصيلها؛ بل تنغصها عليه مكدِّراتٌ لا يحصيها إلا الله، أما في الجنة فالراحة الراحة، والمأوى المأوى؛ يرتاح كل شيءٍ فيك بكل حبورٍ بها، ويأوي كل شيءٍ منك إلى كل نعيمٍ فيها، هذا والله المشتهى والمنتهى، لا لذةٌ تحفُّها الآلام من كل جانبٍ.

– الاقتصاد بعد الذنب؛ لا تفرح به في نفسك، ولا تجاهر به عند غيرك.

ويحك! ألم تقض منه وطرك؟ ألم تسكِّن غضبك وشهوتك؟ لم تثقِّل سيئاتك بما لا ينفعك؟!

أغلق منافذه التي خبَّرك الله بها، وبادر بالتوبة شهادةً على نفسك بالافتقار، وأنه لا غنى لك عن ربك طرفة عينٍ، وأنك بعيدٌ حتى يقربك، مقطوعٌ حتى يصلك، لا ملجأ ولا منجا لك منه إلا إليه.

الآن وقد عزمت على الاقتصاد في ذنبك؛ فإني مهديك هديتين عن نبيك وعن ربك.

أما عن نبيك -صلى الله عليه وسلم- فحديثٌ رفيقٌ كريمٌ؛ “الندم توبةٌ”، وأما عن ربك -جلَّ جلاله- فأثرٌ حميدٌ مجيدٌ؛ “لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ومن الضال الواجد ومن الظمآن الوارد”.